يقدّم تشارلز جونسون قراءة تفصيلية لوقف إطلاق النار الهش في غزة، وهو وقف استمر لأكثر من شهر بضغط أميركي وإقليمي مكثف. أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطة من عشرين نقطة لإنهاء عامين من الحرب، فخفّف حدّة العنف وفتح الطريق لوصول مساعدات إنسانية محدودة وعودة بعض الفلسطينيين إلى بقايا منازلهم.
في الفقرة التالية يشير المقال المنشور عبر مؤسسة كارنيجي إلى أن الاستراحة الأولى في القتال لا تعني إطلاقًا اقتراب سلام دائم. يصف الكاتب هذه الخطة بأنها إنقاذ فوري دون أفق طويل، إذ ظهرت الشروخ سريعًا: هجوم في رفح بعد عشرة أيام فقط أعاد الغارات الجوية إلى جنوب القطاع، واندلعت خلافات حول جثامين الأسرى وخطوط الانسحاب، وكادت الجولات الأولى من التفاوض أن تتهاوى.
تصدعات مبكرة بعد الهدوء
يسجّل الكاتب أن تلك التوترات لا تهدد جوهر الصفقة بقدر ما تكشف التصميم المعيب لها. العوامل التي منحت ترامب نجاحًا سريعًا هي نفسها التي تقوّض قدرة الخطة على الاستمرار. يعتمد الرئيس الأميركي على سياسة صفقات فردية، مجزّأة، دون تأسيس مؤسسي أو شبكات دعم متعددة الأطراف، وهي عناصر ضرورية لأي سلام طويل.
يستعيد التحليل بدايات التفاوض في سبتمبر وأكتوبر، حيث استخدم ترامب أسلوبه التقليدي: مقايضات مباشرة، وضغوط سياسية واقتصادية، وتجاهل للشركاء الأوروبيين الذين فقدوا مكانتهم لديه بسبب اعترافهم بالدولة الفلسطينية. ضغط على قطر عبر ضمانات أمنية غير مسبوقة، ولوّح لتركيا بصفقات طائرات مقاتلة، ودفع نتنياهو إلى التراجع بعد أزمة في الدوحة.
ينجح وقف إطلاق النار سريعًا، وتنسحب القوات الإسرائيلية إلى خطوط متفق عليها، وتبدأ عملية تبادل الأسرى: ألف وتسعمائة وخمسون معتقلًا فلسطينيًا مقابل عشرين أسيرًا إسرائيليًا أحياء، إضافة إلى تبادل جثامين وفق معادلة ثقيلة. يتوافق الطرفان على آلية واضحة، ويتراجع العنف لأكثر من أسبوعين.
لكن هذا النجاح الأولي سرعان ما ينفلت. يضع الاحتلال قيودًا على دخول المساعدات بعد عجز حماس عن إحضار جميع جثامين الإسرائيليين خلال 72 ساعة. ويكشف ذلك عن ثغرة خطيرة: غياب نظام مؤسسي واضح يشرف على المساعدات والبحث عن الجثامين ويضمن استمرارية العمل خارج لحظة الصفقة.
فوضى المساعدات والجثامين
يربط الكاتب هذا الاضطراب بتاريخ ترامب في تفكيك مؤسسات العمل الإنساني، بدءًا من وكالة التنمية الأميركية ووصولًا إلى حجب التمويل عن الأونروا. يلتقي ذلك مع سياسة إسرائيل، التي حظرت عمل الوكالة داخل القطاع ودفعت نحو بدائل مرتجلة مثل “مؤسسة غزة الإنسانية”، التي غرقت في فوضى وسرقة وعنف في مواقع التوزيع الأربعة.
تتراجع كميات الشاحنات الإغاثية إلى أقل من نصف ما نصت عليه الخطة. ويواجه جمع الجثامين عراقيل مشابهة؛ إذ لم تدخل فرق الصليب الأحمر والفرق المصرية القطاع إلا بعد أسبوعين من وقف النار، رغم الوعد بآلية دولية خلال الأيام الثلاثة الأولى. تُستخدم هذه التأخيرات ذريعة لوقف المساعدات ولغارات جديدة أسفرت عن سقوط مئة قتيل على الأقل.
وتنعكس الفوضى على مستقبل الخطة، إذ تتضخم الفجوات بين التعهدات والواقع، وتزداد هشاشة وقف إطلاق النار مع كل إخلال بالآليات الإنسانية.
غياب أفق للحكم والأمن
يذهب المقال إلى أن المراحل اللاحقة للخطة، المعروفة باسم “المرحلتين الثانية والثالثة”، تبدو. تقترح الخطة قوة استقرار دولية تشرف عليها “مجلس سلام” من خمسة عشر عضوًا يرأسه ترامب نفسه. يصف الكاتب هذا النموذج بأنه جذاب على الورق لكنه بعيد عن حقائق حفظ السلام، لأن القوى الخارجية لا تستطيع فرض تسويات سياسية غائبة أصلًا.
يؤكد أن نجاح قوات السلام عبر العالم ارتبط دائمًا باتفاق سياسي بين طرفين متقاربين في القوة، أو على الأقل بخريطة طريق يتفق عليها الطرفان. لا شيء من ذلك حاضر في غزة، حيث يواصل كل من إسرائيل وحماس النظر للآخر كخصم وجودي.
يضاف إلى ذلك رفض دول عربية عديدة المشاركة في قوة الاستقرار خشية الانزلاق إلى مواجهة مع حماس أو الظهور كأذرع تعمل لحساب إسرائيل. ويضع الكاتب إصبعه على نقطة جوهرية: تصور الخطة لنزع سلاح حماس يتم التعامل معه كمسألة تقنية، بينما هو في الواقع قرار وجودي مرتبط بهوية الحركة ووضعها السياسي.
ويرى أن الانتقال الأمني في غزة إلى قوى فلسطينية يبدو شبه مستحيل، لأن السلطة ضعيفة ومطعون في شرعيتها، وحماس عانت من نزاع وجودي. لذلك يبقى احتمال رفض الحركة نزع سلاحها واردًا، وربما تميل بدلًا من ذلك إلى إعادة التمركز والانتظار.
مستقبل غائم
يتوقع الكاتب استمرار الوضع الحالي بشكل متعثر، مع بقاء إسرائيل مسيطرة على نصف القطاع، ما يهدد بتصعيدات متقطعة. ويثير مشروع “المجتمعات الآمنة البديلة” التي تقترحها واشنطن وتل أبيب مخاوف من تثبيت وجود إسرائيلي طويل الأمد داخل غزة.
يرجّح المقال أن الصدامات المتكررة ستبقى وسيلة للضغط وقد تفتح الباب لعودة الهجوم البري إذا رأى الاحتلال أن الصفقة لم تعد مجدية. ويشير إلى أن ترامب قد يدفع نحو زيادة وجود القوات الأميركية بحجة حماية الاتفاق، رغم شعاره “أميركا أولًا”.
يختم الكاتب بأن الطريق نحو سلام حقيقي يمر عبر إعادة بناء الإطار كله، وإشراك الفلسطينيين والإقليم في مفاوضات متوازنة، لا عبر صفقات عاجلة. ويرى أن الهدنة الحالية ليست مسارًا للسلام، بل وقف هش للقتال بلا عدالة ولا ضمانات ولا رؤية سياسية.
https://carnegieendowment.org/emissary/2025/11/trump-gaza-deal-fatal-flaws-prevent-peace?lang=en

